دجاجة البيت الذي رحل

في وداع الكاتب والشاعر اللبناني حسن عبد الله (1943/1944 -21/6/2022)، أحببنا في مجلة مرسال أن نستعيد قصة هي ليست فقط إحدى أفضل مؤلفاته، بل من أكثر المعالجات ذكاء وجرأة لموضوع الحرب في أدب الأطفال العربي.

تأليف: حسن عبد الله، رسم وتصميم: لينة غيبة. بيروت، أكاديميا، 2013. مصور بالألوان، 48 صفحة، 24×17 سم. – ردمك: 9789953379654

“لم يكن أحد يفكر أن الحرب ستقع في ذلك اليوم الربيعي الجميل. ولكنها وقعت…”.

تبدأ القذائف بالتساقط على قرية صغيرة قائمة على كتف الوادي، فيضطر أبو كريم وأسرته إلى مغادرة المكان، تاركين وراءهم دجاجة رقطاء. في غيابهم، تواجه الدجاجة مخاطر كثيرة، من أذى جسدي ومطاردة من حيوانات أخرى وجوع وعطش وبرد. على الرغم من هذه التحديات، تنجح في البقاء حية عن طريق الاحتماء في الأماكن الآمنة، تارة، والقتال والدفاع عن نفسها بشراسة، تارة أخرى. لكنّ صمودها هذا لم يكن من غير ثمن.

كتاب يجمع ما بين القصة المصورة والرواية القصيرة، مقسمة إلى ثلاثة وعشرين فصلًا قصيرًا. استخدم الكاتب حسن عبد الله صيغة الغائب، وانتقل من وجهة نظر بشرية هي نظرة أفراد أسرة “أبو كريم” في بداية القصة، إلى وجهة نظر حيوانية للدجاجة نفسها في الفصول حيث تكون وحيدة، لتعود إلى العائلة في أواخر القصة.

لا يحاول الكاتب أنسنة الدجاجة، بل نراها تتصرف مثل أي حيوان فعلي، حتى المشاعر التي ينقلها النص ليست أكثر من ردّات فعل غريزية لما تواجهه. في خيار الكاتب هذا، تأكيد على أنّ الحيوانات هم أيضًا ضحايا الأحداث المؤلمة، وأنّ قصصهم تستحق أن تروى لذاتها. وقد ترمز الدجاجة إلى أي كائن أو فرد يضطر إلى مواجهة الحرب أو ظروف قاهرة أخرى بشكل منفرد، فيعتمد على حنكته وشجاعته للنجاة.

تنضم القصة إلى مدونة لا بأس بها من كتب الأطفال التي تناولت الحرب، لكنها تتميّز بتركيزها على شخصية حيوانية، فتعيد إلى ذاكرتنا قصة يوميات هر للأديبة الراحلة إملي نصر الله.

لا توارب القصة في معالجة موضوع الحرب بمخاطرها وآلامها والخسائر المادية والمعنوية التي تترتب عليها. مع تطور الأحداث، يرصد القارئ التغيرات التي تطرأ على الدجاجة. تهزل وتنحف وتفقد الكثير من ريشها، كما تصبح متوحشة ودائمة الارتياب من المخلوقات الأخرى. حتى عندما تعود الأمور إلى مجراها الطبيعي، تواجه صعوبة كبيرة في التأقلم.

قصة مليئة بالأحداث المتتالية والمعالجة الواقعية والمنطقية. يتضمن السرد تفاصيل غنية، دون أن يُغرق القارئ بالوصف. لغة الرواية بليغة وسلسة في الوقت نفسه والمفردات منتقاة بذكاء ولن تشكل صعوبة للقارئ المستهدف. النص محرك بالكامل. لا بد من التنويه هنا بالعنوان الذي كان ملفتًا وخارجًا عن السائد.

ما زاد الكتاب تميزًا هو رسومات لينة غيبة وتصميمها. استخدمت لوحة واسعة ومتناسقة من الألوان الخريفية، مع حضور قوي للَونَي القرميدي والزيتي، ومساحات مشعة من اللون الأحمر هنا وهناك. خلفيات جميع الصفحات ملونة، مع اختلاف اللون من صفحة إلى أخرى جاعلًا في معظم الأحيان من كل صفحتين لوحة متكاملة. يبقى أنّ جمالية الألوان أتت في بعض الصفحات على حساب مقروئية النص (مثلًا ص. ١٧).

على مستوى الإنتاج، الكتاب ذو غلاف مقوى، نوعية الورق والطباعة جيدة جدًّا.

في الختام، قصة تعلق في ذهن القارئ لمدة طويلة.

س.أ.غ.