بوظة قشطة حليب فريز

ليست المرة الأولى التي تكتب فيها نهلة غندور عن الأطفال ذوي الإعاقة، حيث تناولت موضوع التوحد في قصة سكون والإعاقة الحركية في قصتَي غيمة قطن وهي هما هنّ. في هذه القصة، اختارت الكاتبة طفلة لديها متلازمة داون لتكون الشخصية الرئيسية.

تعود “شوكولا”، كما تختار الشخصية الرئيسية اسمًا لها في نهاية القصة، كل يوم من المدرسة لترى أربع بنات من الحارة يلعبن نط الحبل على وقع العدية “بوظة قشطة حليب فريز”. تتشوق لتلعب معهن لكنها لا تعرف اللعبة. تراقبهن عن كثب وتتعلم بنفسها نط الحبل حتى تنضم إليهنّ في النهاية ويرحبن بها بدورهن بسرور.

تأليف نهلة غندور، رسوم: ساشا حداد، عمّان، دار الياسمين، 2018، مصوّرة بالألوان، 32 صفحة، 24 سم * 24 سم، 9789957682194

على بساطة أحداثها، القصة مشوقة وفيها تصاعد للتوتر. الشخصية الرئيسية هي نفسها الراوي. نستشف، ما بين السطور، خوفها وقلقها في كل مرحلة من المراحل. تتدرب على نط الحبل فتنجح تارة وتتعثر تارة أخرى. تراقب البنات من بعيد، ثم تقرر الاقتراب منهن رغم قلقها من أن تفشل أو ترفض البنات اللعب معها.

لا يذكر نص القصة صراحة أن شوكولا من ذوي متلازمة داون، إلا أن ملخص القصة على الغلاف الخارجي يحدد أنها: «طفلة صغيرة لديها داون سندروم…». تتضمن الرسومات بعض التفاصيل في عيون وأطراف ولسان شوكولا التي تشير إلى حالتها. كان خيارًا موفقًا من الكاتبة ألا يذكر النص صراحة أن شوكولا طفلة ذات إعاقة طالما أدت الرسوم الغرض. فإعطاء مساحة للاختلاف في الأدب والفن لا يتطلب بالضرورة مسميات وإشارات، بل إنّ المبالغة في التركيز على الإعاقة قد يكون له التأثير المضاد.

تتوجه القصة إلى جميع الأطفال من ذوي الإعاقة وغيرهم. تشجعهم، بشكل غير وعظي بتاتًا، على العمل والإصرار والشجاعة في السعي للحصول على ما نريد وأخذ المبادرة في التقرب من النظراء. في اختيارها لشخصية رئيسية من ذوي متلازمة داون، تكسر الكاتبة التمثيل النمطي للأطفال/الأشخاص ذوي الإعاقة بأنهم بحاجة دائمًا إلى المساعدة من الآخرين، كما تتعامل باحترام مع تخوّف شوكولا من عدم تقبل البنات لها، وحاجتها لمجهود أكبر من غيرها لتتقن اللعبة.

على مستوى المفاهيم واللغة، تناسب القصة الأطفال من عمر الثلاث سنوات وأكبر. مفرداتها بسيطة وفيها تكرار، ما يجعلها مناسبة للقراءة بالصوت العالي، وللترنيمة الطفولية: «بوظة قشطة حليب فريز» وقع موسيقي جميل.

رسومات القصة موفقة وتثري النص. مثلًا نقرأ في الصفحة ٧: «أرى مشهدًا بعيدًا، أربع بنات وحبلًا» ونعرف فقط من الرسومات أن البنات ينطُطْن بالحبل تحديدًا. رسومات ساشا حداد مناسبة جدًّا لظرافة القصة. تستخدم الألوان الباردة والتنويع بين المساحات البيضاء والملونة والمناظير المختلفة. نلاحظ أيضًا تنوعًا في أشكال وألوان وملابس البنات، واحدة منهن ترتدي النظارات، استكمالًا لفكرة التنوع والاختلاف.

كذلك أتى إنتاج الكتاب جيدًّا، كما نوع الورق، والحجم مناسب للقراءة الفردية ولمجموعة صغيرة.

قصة بوظة، قشطة، حليب، فريز تسعد القارئ وتضيف كتابًا ناجحًا إلى خزانة الطفل العربي.

آ.ى.