الحنين

على الرغم من تحذيرات حكيم القرية له من السفر والذكريات التي ستغمره والحنين الذي لن يستطيع الهروب منه، يقرر حسن الفلاح السفر إلى مكان آخر للبحث عن عمل جديد. يذهب إلى آخر العالم. وهناك، تملأ الذكريات يومه وليله فيسقط في أعماق الحنين المظلمة حتى يستسلم ويعود، في نهاية القصة، إلى قريته. 

تأليف: عائشة الحارثي، رسوم: حسّان مناصرة، دبي ، دار أشجار (دار العالم العربي سابقًا)، 2019، مصوّر بالألوان، 32 صحفة، 27سم*26سم، 9789948394396

من دون شك، تتمكن الكاتبة عائشة الحارثي من تحريك مشاعر القارئ (البالغ على الأغلب) في وصفها للحنين وأثره العميق على حسن. ترتكز على لغة بلاغية غنية بالاستعارات ومليئة بالرموز التي تذكرنا بتلك التي استخدمها شعراء وأدباء بلاد الشام في الكتابة عن الوطن والتغني بحبه والتعبير عن الشوق إليه، خاصة في سياق الهجرة واللجوء. فهناك مثلًا شجرة الزيتون، وأصوات العصافير، والنهر، والليل، ورائحة الخبز، والمطر. من الملفت أن ذكريات حسن تتمحور حول التجارب الحسية المرتبطة بقريته، كأصوات “العصافير وقت الفجر” و”قطرات المطر التي تتسلل عبر ثقوب السقف”، دون أن يعبّر عن أي اشتياق واضح للعائلة أو الأصدقاء (باستثناء إشارة واحدة إلى “الضحكات التي تملأ البيت” في موطنه الأصلي)، وذلك بالرغم من أن النص يذكر شعوره بالوحدة في المكان الجديد.

لم توفق الكاتبة تمامًا بإحكام عناصر القصة. فالنص لا يوضح، مثلًا، دافع الشخصية الرئيسية لاختيار المكان الذي استقر فيه بالذات والخالي تمامًا من مظاهر النشاط المهني، بعد أن ترك موطنه بهدف “البحث عن عمل آخر”. تصور الرسومات حسن وحيدًا في منزل صغير في حقل كبير، جامعةً بين النقل المباشر للنص والمعالجة المجازية لما يشعر به حسن من وحدة كما أن القارئ قد يُربك عندما يذكر النص، في .الصفحة 22، أنّ حسن « لم يعد سعيدًا .الآن»، بعد أن ذكر في الصفحة 10 أنّه كان «حزينًا» في مكانه الجديد

تجسد الرسوم الحنين على هيئة رجل أزرق اللون، يكون أحيانًا عملاقًا وأحيانًا في حجم حسن، يرافقه ويتركه ضعيفًا أمام ذكرياته. يذكر النص أن حسن يقاوم الحنين، لكن لا يوجد أية تفاصيل عن شكل هذه المقاومة، ما يساهم في تصوير قرار حسن بالعودة إلى قريته كنوع من الاستسلام. بشكل عام، تقدم القصةُ الحنين كشعور حزين حصريًّا، يدعو إلى الاكتئاب والانكسار، دون أي دور للنواحي الإيجابية التي ممكن أن تشكل دافعًا للتغيير.

تختم القصة بعبارة: «لطالما كان كلام حكيم القرية صائبًا»؛ وهي عبارة وعظية فيها شيء من تعظيم دور الحكيم أو السلطة الأبوية، بدل الحثّ على اتخاذ القرارات والمغامرة والمخاطرة والتعلم من الأخطاء. عززت الرسومات هذه الصورة السلطوية برسم الحكيم أكبر من حسن دائمًا، كما إن عيونه تنير، في الصفحة الأولى، درب الشاب.

تعرض القصة موضوعًا حساسًا في ضوء الحروب والتهجير الذي يشهده أطفال الوطن العربي، إلا أن طريقة الطرح مناسبة أكثر للأطفال الأكبر عمرًا، لتضمنها بعض المفاهيم والاستعارات المجازية التي تتطلب قدرة على التفكير المجرد. لا بد من الإشارة إلى أن نهاية القصة تبسط عودة الأشخاص إلى وطنهم، مصورة الوضع على أنه قرار شخصي بحت ومتاح في أي وقت، إلا أن الحال مختلف لعدد كبير من الأطفال النازحين واللاجئين وعائلاتهم.

تفوقت الرسومات في معظمها على النص. أبدع حسان مناصرة في التعبير البصري عن اختلاط الأزمنة والأمكنة في مواقع مختلفة في القصة، وفي نقل مشاعر حسن عبر تفاصيل لغة جسده، وفي التنويع بالمنظور. فنرى حسنًا صغيرًا محمولًا على كفّ الحنين. ساعدت ألوان الرسومات وملمس الريشة على رفع حساسية الكتاب وجعله تجربة شخصية تكاد تكون حسية. 

على مستوى الإنتاج، تبدو طباعة الألوان الداكنة، على الأقل في الطبعة الأولى، عبقة أكثر من اللازم. على مستوى تدقيق النص، يوجد عدد من الأخطاء، منها خطأ إملائي (كلمة «حتي» في الصفحة 21)، ومسافات إضافية بين الكلمات في صفحات عدة. 

الحنين قصة مميزة من ناحية الرسومات ومؤثرة في طرحها لموضوع الحنين، إلا أن عناصر القصة كانت بحاجة إلى أن تكون أكثر اكتمالًا واتساقًا.

حصلت القصة على جائزة كتاب العام من جائزة “اتصالات لكتاب الطفل” عن دورتها عام 2018. 

آ.ي.