نيران الرحمة

في ليلة ممطرة وراعدة، يقوم ثلاثة شبان بتعذيب قطة. تراهم سيدة عجوز وتواجههم بفعلتهم الشنيعة. عندما لا يعبّرون عن أي ندم، تسحرهم بتحويلهم إلى قطط، قائلة لهم: “كونوا هذه المخلوقات التي تستلذون عذابها. كونوها في أسوأ وأقسى زمان ومكان عرفته في تاريخها” (ص. ٢٢). لن يتحولوا ثانية إلى بشر إلا إذا رقّ لهم قلب إنسان ورحمهم.

نتيجة هذه اللعنة، يعودون في الزمن إلى العام ١٦٨٤ في مدينة ميتز الفرنسية. في هذه الفترة، كان الكثير من الأوروبيين يربطون ما بين القطط وأعمال السحر والشعوذة، فيخافون منها ويطاردونها وحتى يقتلونها. في حياتهم الجديدة، تعيش القطط البشرية الثلاث حالة خوف دائمة على سلامتهم من أذى البشر.

تأليف: وئام غداس، تصميم الغلاف: أسماء بن حميدة، دار زينب للنشر والتوزيع (نابل، تونس)، ٢٠٢١. ١٦٣ صفحة – ردمك: ٩٧٨٩٩٣٨٣٩١٦٨٨

بين الفصل الأول والفصلين الثالث والرابع حيث تسرد تجارب الشبان بعدما أصبحوا قططًا، تخصص الكاتبة فصلًا نتعرف فيه عن كثب على ربيع وأمين وخالد وصديقتهم ميّة، التي كانت على عكسهم تحب الحيوانات وترأف بها. نكتشف الظروف الصعبة التي عاشها كل منهم، من تفكك أسري ومرض الأم وسوء معاملة وعنصرية في حال أمين، الأسمر البشرة، ونشهد لحظات لقاءاتهم الأولى، التي كانت وراء صداقتهم، بشكل تدرّجي: لقاء أحد الشبان بأول صديق، يليه لقاؤهما الاثنين بالصديق الثالث، ثم لقاء الصبية الثلاثة بصديقتهم الفتاة.

الرواية قائمة على فكرة ذكية وحبكة محكمة البناء، معتمدة على تصاعد واضح في الأحداث وحسن استثمار عامل التشويق. فيها دعوة واضحة إلى الرقة الإنسانية والرأفة بالآخرين ومنهم الحيوانات. هناك بعض مشاهد تعذيب بالقطط تهدف إلى إظهار وحشية هذه التصرفات وإلى تنفير القراء منها، إلا أنها قد تضايق البعض بقسوتها. من ناحية أخرى، سعت الكاتبة إلى عرض بعض المشاكل الاجتماعية ومواجهة أنواع مختلفة من التمييز على أساس النوع الاجتماعي والإعاقة والعرق، ويبدو ذلك واضحًا من خلال اختيارها لشخصياتها التي تجسد كل منها حالة اجتماعية معينة. لكن حبذا لو تجنبت بعض الصياغات التي من شأنها تعزيز الأفكار النمطية بدل محاربتها، مثل تعبير الراوي عن استغرابه من ولع الفتاة ميّة بكرة القدم (ص. ٣٣) أو وصفه لأمين بأنه “جميل رغم بشرته الداكنة” (ص. ٦٨).

تنجح الكاتبة إلى حد بعيد في إدخال القارئ إلى عوالم الشخصيات الداخلية وجعله يتعاطف معها ويهتم بأمرها وتربط بشكل واضح بين تجارب الشبان الأليمة والقسوة التي اكتسبوها (مثلًا ص. ١٢٠). مع ذلك، لا تعود الرواية ثانية إلى أزمات الشبان الشخصية ولا تشفي فضول القراء فتخبرهم ما حل بالشبان على هذا الصعيد. لهذا السبب، تبدو نهاية الرواية مبتورة بعض الشيء.

أسلوب الكاتبة الأدبي جيد بشكل عام. اعتمدت الراوي العليم، وهو خيار موفق إلى حد بعيد لولا قيام الراوي، في أكثر من مكان، بالتوجه المباشر إلى القارئ لتمرير رسائل الكاتبة بشكل وعظي (مثلًا ص. 36 و37) كما أتى السرد على حساب الحوار في بعض الأحيان. لو حظيت الرواية بالمزيد من المراجعة والتحرير لكانت بالتأكيد تحسنت بشكل ملحوظ. في النص بعض التكرار والإطالة والإسهاب في تفاصيل غير ضرورية كما أقحمت الكاتبة الكثير من المعلومات العلمية (مثلًا حول القطط) والتاريخية (مثلًا حول مدينة ميتز). كان من الأفضل الاكتفاء بالمعلومات الضرورية لفهم الأحداث أو تمرير هذه المعلومات بشكل غير مباشر. مع ذلك، لا بد من أن نثني على المجهود البحثي الذي قامت به الكاتبة، كما أنها قد حرصت على بناء حبكتها وتصرفات شخصياتها على معلومات دقيقة، فبدت دائمًا منطقية حتى مع وجود عامل الفانتازيا في الرواية.

قصة مثيرة تطرح مواضيع كثيرة ومهمة نتمنى أن تلقى الاهتمام من قبل القراء.