الكرسي المجاور

في رحلة باص متجه من القاهرة إلى الغردقة، تجلس فتاتان في جوار بعض. الأولى هي كنزي ابنة العائلة الميسورة الذاهبة إلى الغردقة لملاقاة صديقها مصطفى، والثانية هي فاطمة ابنة العائلة المتواضعة التي تنوي مباشرةَ وظيفة عاملة نظافة في أحد الفنادق. بمبادرة من فاطمة، تبدآن بتبادل أطراف الحديث.

تأليف: رانيا حسين أمين، رسم: رانيا حسين أمين، رسم الغلاف: زينة زايد. القاهرة، دار نهضة مصر، ٢٠٢١. ١٥٢ صفحة، ١٩.٥×١٣.٥ سم. – ردمك: ٩٧٨٩٧٧١٤٦٠٣٧٤

تطرح الرواية عددًا من المواضيع، الأبرز بينها موضوع الطبقية، كما يجسدها السياق المصري تحديدًا. تقدّم الكاتبة صورة صريحة عن التوجّس الذي يشعر به أبناء كل من الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة تجاه الطبقة الأخرى. يبدو ذلك بوضوحٍ في طريقة معاملة كنزي المتعالية والجافة لفاطمة في بداية علاقتهما، نتيجة أفكارها المسبقة وقلة درايتها بكيفية التصرف مع أشخاص من خارج المجتمع الذي تعرفه. قد يستغرب القارئ هنا قرار فاطمة أن تستمر بالتكلم مع كنزي إلا أنّ هذه الأخيرة تحاسب نفسها على تصرفها بعد حين، كما أنّ فاطمة تواجهها بشكل مباشر بشأن جفائها تجاهها. ينتج عن ذلك حوار مثمر بين الاثنتين حول موضوع العلاقات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة.

تحسب للكاتبة معالجتها الواقعية وغير المواربة لهذا الموضوع، لكنها اكتفت بالتعامل مع الاختلافات الطبقية وكأنها مجرد اختلافات ثقافية أو نتيجة سوء تواصل، دون معالجة فعلية لتداعيات الفروقات الكبيرة في الامتيازات الاقتصادية لأبناء كل طبقة. مع ذلك، لا يمكننا إلّا أن ننوّه بدعوة الرواية إلى ضرورة الانفتاح على الآخر والحوار بدل التقوقع ضمن دوائر مغلقة.

تطرح الكاتبة، بالإضافة إلى موضوع الطبقية، مواضيع أخرى مثل الاستغلال والتلاعب بالعواطف في العلاقات الزوجية والعاطفية، وكذلك الحمية الغذائية، وتجارة الحبوب المخدرة، والوظائف غير النمطية للإناث، والتحرش، وعلاقة الأبناء بزوجة الأب، ممرّرةً معظم رسائلها عن طريق الحوار بين الشابتين. على الرغم من كثرة هذه المواضيع، تنجح الكاتبة في طرح أغلبها بشكل مناسب، خاصة موضوع العلاقة العاطفية بين الشبان والشابات وحتى الكبار. تشير الرواية بشكل غير مباشر أنه لا بديل للحوار الحقيقي لتوسيع المدارك بدل الانشغال الفردي في العوالم الافتراضية على الإنترنت.

ينحصر زمان الرواية في الفترة التي تستغرقها رحلة الباص. وفي خلال هذه المدة، تنشأ صداقة فعلية بين الفتاتين، كما تتوصل كلٌّ منهما، بمساعدة الأخرى، إلى اتخاذ قرار حاسم بشأن مشكلة تواجهها، في فترة قد تبدو للقارئ قصيرة نسبيًّا. بالإضافة إلى الحبكة الأساسية، هناك حبكة ثانوية موصولة بالأولى بشكل موفق جدًّا. على الرغم من قلة الأحداث، تحسن الكاتبة في استثمار عامل التشويق في سياق مبتكر؛ وتستخدم مساحة المواصلات العامة كأداة لجعل أبناء فئات مختلفة يلتقون.

على مستوى الشخصيات، فإنّ شخصية كل من الفتاتين جذابة بطريقتها. فاطمة فتاة مقدامة وذكية وودودة، بينما تمزج كنزي بين الطيبة والتحفظ، وكان جميل أن نرى شخصيتها تتطور خلال الرواية لتكتسب الثقة بالنفس والانفتاح على الآخر.

تقوم الفتاتان بلعب دور الراوي، باستثناء بعض الفصول حيث يقوم مصطفى، صديق كنزي، بلعب هذا الدور. لغة الرواية سلسة، مطعّمة أحيانًا بتعابير أو حتى بعض الحوارات القليلة بالعامية المصرية، ما أضفى عليها نكهة محلية جميلة.

تزيّن الكتاب رسومات بالأسود والأبيض بريشة الكاتبة. قد نشعر ببعض التنميط الطبقي في رسم الشخصيتين الرئيسيتين، حيث تبدو كنزي نحيفة وتقاسيم وجهها أدق من فاطمة، بينما لون بشرة الأخيرة أكثر سمارًا وثيابها فضفاضة. ومع ذلك، أكسبت الرسومات الرواية الكثير من الحيويةً والخصوصية المحلية.

قراءةٌ ممتعة وسلسة تطرح مواضيع كثيرة ستثير حتمًا اهتمام الشباب.