يصعب على الأطفال بصورة عامة إدراك مفهوم الوقت، فجاء هذا الكتاب فرصة مؤاتية للقارئ الصغير كي يتعرّف إلى الوحدات الزمنية المختلفة ويميّز ما يمكن إنجازه في ثانية أو دقيقة أو أسبوع أو فصل أو حتى سنة كاملة وذلك من خلال أمثلة مبتكرة تطرحها المؤلفة على لسان الفتاة الصغيرة التي تقوم بدور الراوية.
يقدّم الكتاب على الصفحات اليمنى خمسة أمثلة تجسد ما يمكن فعله في فترة زمنية محددة مع استخدام بعض العبارات المكررة: “فمثلًا مثلًا في خلال..” لخلق نوع من الإيقاع في النص. ثم يُسلَّط الضوء، في الصفحات اليسرى، على فعل معيّن تقوم به الراوية في الفترة نفسها، غالبًا مع أحد أفراد العائلة، مع استهلال النص في تلك الصفحة بعبارة “والأهَمُّ… الأهَمُّ” للدلالة على المكانة المميزة لهذه الأفعال.

الأمثلة المستخدمة في أغلبها موفقة وفيها خيال وروح فكاهة وتفاصيل لطيفة: “في خلال ثانية، أنُطُّ من على عتبة عالية، أرمش مرَّتين وأبقى صاحية… أو أعطسُ مرَّة وأوقِظُ قطَّة الجارة رانية”. ولكنّ هناك البعض منها يوحي إلينا وكأنه وُضع ليواكب السجع المستخدم: “في خلال يوم… أطلي بلوني المفضَّل غرفة النوم، أُطعِمُ قطيعَ إبلٍ كبيرًا اسمُهُ حَوْم”. كما نلاحظ أنّ بعض الأفعال المطروحة قد تتطلب أكثر من الوقت المحدد لها: “إنني في دقيقة أقصُّ قلبًا ورقيًّا لجدي وألصِقُ عليه دُعسوقة، وأوَقّع: “مع محَبَّتي العميقة…”، مما قد يربك مفهوم تلك الوحدة الزمنية لدى القارئ. كنا نتمنى لو تم تخفيف عدد الأمثلة، والاكتفاء بما هو مميز، أو ما هو قريب من حياة الطفل واهتماماته وأنشطته اليومية.
النص مسجَّع بشكل شبه كامل، الجمل أغلبها قصير واللغة سلسة خالية من المفردات الصعبة .يعكس صوت الراوية الديناميكي شخصيتها بحركتها الدائمة، فيضفي الكثير من الحيوية على النص.
رسومات الكتاب بالألوان المائية الفرحة تذكرنا بالخربشات الطفولية. الغلاف جذاب فيه إشارة ذكية إلى موضوع الوقت، إذ يصور فتاة تركب دراجة مرسوم على إحدى عجلاتها وجه ساعة وتجر عدة ساعات خلفها. أما الرسومات الداخلية، فجاءت متناغمة مع النص لكنها لم تخرج عن سياقه. كان من الممكن إثراءها عبر إضافة عناصر للتعبير عن مرور الوقت (مثلًا: سلحفاة، حلزون)، أو تقديم أفعال أخرى بالإضافة إلى تلك المذكورة في النص.
على صعيد التصميم الداخلي، تتخذ الرسومات في كل صفحة مواقعَ مختلفة؛ فتارةً نجدها في أعلى الصفحات؛ وطورًا في أسفلها أو على يمينها أو على يسارها و قد تمتد إلى صفحتين متقابلتين. الأمر الذي أضفى حركة على الكتاب.
في الفترة الأخيرة، جددت دار أصالة في إخراج أغلفة بعض كتبها، كما في هذا الكتاب، حيث لاحظنا استخدام خطوط طباعية جذابة في الغلاف تحاكي حيوية الرسوم وطابعها اللعوب، بالإضافة إلى الزوايا المدورة والغلاف غير اللامع. حبذا لو تطال عملية التحديث هذه التصاميم الداخلية أيضًا.
على العموم، كتاب جميل يتناول موضوع الوقت؛ موضوعٌ يربكنا صغارًا وكبارًا…
فرح