
عنوان الكتاب جذاب، وفكرته جميلة: طفل يعيش مغامرات خيالية عبر صور يرسمها فيصدقها، وينقلنا بواسطتها إلى أماكن لا نصل إليها إلا في الأحلام أو الأفلام. من خلال حوارٍ بينه وبين صديقه، يعلّق لنا الصبي على كل شكلٍ يرسمه، ثم يضفي الاثنان الحياة إلى هذا الرسم بتفاعلهما معه: يرسم الصبي بطًا ويجعله ينزعج من حرارة الشمس، ثم يقول لصديقه: “لحسن حظي أن شط البحيرة كان رملًا، فخططت فيه المظلة”.
إلّا أنّ النص مكتوب بلغة وأسلوب صعبين ومعقّدين يجعلان فهمه يستعصي على القارئ الصغير (بين الـ7 والـ10 سنوات كحد أقصى، بحسب ما يوحي به الكتاب لمتصفحه). هناك مفردات صعبة وغير ضرورية، أمثال: حثثت، فاغر فاه، الهلاك، ودودون، تُؤالف… وبالرغم من متانة اللغة، إلا أننا نتعثّر بجمل ثقيلة، خاصة في اختيار وصياغة الأفعال، كقول الصبي: “كان عليّ أن أرسم طائر نقّار الخشب، فصار صقرًا” (صفحة 15). الانتقال هنا من “كان عليّ أن” إلى “صار” لا تشبه بشيء سلاسة اللغة العربية. التراكيب اللغوية هي أيضًا صعبةٌ أحيانًا وقد تحمل كلماتُها أكثر من احتمالِ تفسير، مثل: “فهل تكون البطة مُشتبِهةً؟” (صفحة 13). ما المقصود من كلمة “مشتبهة” هنا، وكيف سيفهمها القارئ الطفل، وهو الغارق في محاولة مجاراة عالم الخيال الأخاذ هذا والمزدحم بكثرة تنقلاته بين الأماكن والحالات؟ أما المغزى النهائي من الكتاب، أنّ “الرسام هو من يستطيع إنقاذ العالم […] نحن لا نحيا بالخبز وحده، فلنتعلم أن نحب الفن الذي ينشر المودة بين الناس” (صفحة 24 و26)، فهو مغزى جميل وجليل، ولكنه يصلح أن يأتي في كلمة يوجهها الكاتب أو الناشر إلى الأهل خارج نص القصة، لا على لسان الطفل الحالم المحمّل حكمةً ولغةً أكبر من عمره.
رسوم الكتاب جميلة جدًّا، فيها الخيال وفيها الأشكال الهندسية والعمرانية وفيها البشر والحيوانات، تتداخل بالنص بشكلٍ ذكي وحساس، لا سيما أنها تكتفي بلوحة ألوان مقتضبة يغلب عليها البني والبرتقالي والبنفسجي. خيار موفق ينقل القارئ إلى عوالم القصة ويشوّق لإعادة تصفحها مرارًا، بتناغمٍ مع الدور الذي يعطيه النص للفن وللرسام. إخراج الكتاب وإنتاجه أيضًا جيدان، ما عدا عشوائية تكبير البنط في بعض الجمل، حيث يأتي الشكل على حساب المعنى.
هب