
بعد وفاة جدة “ماسة”، تقرر أسرتها زرع الكرنب (أو الملفوف) وفاءً لرغبتها الأخيرة. في الفترة ذاتها، يقوم الإسرائيليون ببناء جدار يقسم أراضي العائلة الزراعية، فتكتسب هذه الرغبة بزراعة الكرنب أبعادًا أخرى، لتعبّر عن إصرار الفلسطينيين بالصمود في مكانهم وعدم الاستسلام لإرادة الإسرائيليين ولجدار الفصل. في ظل جميع التحديات الناتجة عن الاحتلال، هل سينجح المحصول؟
بطلة القصة “ماسة” مراهقةٌ جذابة بشخصيتها، شقية وذكية وواسعة الحيلة. فعلى سبيل المثال، تقنع زميلاتها بدهاء أنها مشعوذة لتحصل منهن على أنصاف السندويتشات والنقود. تنتمي ماسة إلى أسرة زراعية متواضعة الحال. يروي الجدّ كل يوم قصة مختلفة عن أصول العائلة ليتلاعب بشقاوةٍ بمن حوله. تلفت الرواية نظرنا لوجود فئة اجتماعية قلّما نراها في قصص الأطفال العربية، أيّ العرب من أصول أفريقية، إذ إن ماسة وأفراد أسرتها من أصحاب البشرة السمراء.
تقدّم الرواية صورة عن الحياة في ظل الاحتلال بمختلف تحدياتها، من مضايقات يومية وصعوبات في التنقل واعتقال عشوائي. لكن ذلك لا يعني أنها خالية من الفكاهة بل على العكس. الحبكة مبنية بشكل جيد، وإن كان هناك بعض الأحداث، مثل اختفاء والد ماسة وعمها، تطرح دون العودة لها أو التعامل معها بشكل كاف.
من حيث الأسلوب، الرواية مكتوبة بلغة أدبية رفيعة، وإن تخللها بعض التكلف أحيانًا من حيث اختيار الكاتب للمرادفات واستخدامه الرمزية. الجمل والفقرات قصيرة في الأغلب، ما يؤثر على سلاسة اللغة أحيانًا. فيها مشاهد عدة مكتوبة بلغة وصفية غنية الصور تنقل القارئ داخل القصة وتؤثر به جدًا، مثل المقاطع التي تتناول عملية الحصاد أو تلك التي تصف العلاقة المميزة بين الجد والجدة. قد نشعر أحيانًا بعدم التماسك في نقل الكاتب لصوت “ماسة”، لكن ذلك ربما يعكس التناقضات أو التشويش داخل الشخصية نفسها بالتحولات الجسدية والنفسية للمراهقين والظروف التي تمر بها. يجدر التنويه هنا بجرأة الكاتب، إذ إنّه لا يتردد عن ذكر مواضيع حساسة كالبلوغ أو الرغبة الجنسية، بشكل لبق غير مجاني.
رواية جميلة وموفقة نشعر عند انتهائها بحاجتنا للمزيد.
س.أ.غ.