
ربما استوحى المؤلف من شكل القصة الشعبية، فجعل لحكايته مقدمة هي بحد ذاتها قصة، تخبرنا فيها “حكايي” عن مدينة تعم فيها الفوضى ويملأ زقاقها الغبار فيقوم البحر بطمّها سبع مرات. هكذا تصبح المدينة مؤلفة من سبع طوابق وفي كل طابق وداخل كل بيت وخلف كل باب قصة تجمعها “حكايي” لتخبرها وقت الضرورة.
وأولى هذه الحكايات قصة “آذار” (بداية الربيع وعيد الأم) الذي فقد أمه. تعالج هذه القصة موضوع الموت بشكل واقعي ودون مواربة وذلك يمثل قرارًا شجاعًا جدًا من القيمين على الكتاب. وتقدم القصة لنا، بقالب فني، تفاصيل العادات المحلية البيروتية المتعلقة بالدفن وتقديم واجب العزاء، وتنقل على لسان عمّات آذار الثلاث، بلهجتهن البيروتية الشعبية، التبريرات والنصائح التي يقدمها الكبار أحيانًا للصغار عندما يفقدون قريبًا، بعضها قد يبدو قاسيًا وغير مناسب، لكنه يعبّر عن الارتباك الذي يشعر به الكبار أنفسهم في هذه المواقف.
رسومات الكتاب مبتكرة تستخدم الرمزية بشكل مناسب. كما أنها تدعو القارئ إلى القيام ببعض الجهد والوقوف عندها مطولًا لاستيعابها بالكامل وربطها بالنص. في الكتاب، فنيًّا وأدبيًّا، فهمٌ واضح لبعض استراتيجيات العقل البشري في التعامل مع صدمة وحزن بهذا الحجم. فمن أبرز نقاط القوة في الكتاب البراعة الفائقة بنقل مشاعر “آذار” من ارتباك وغضب وحيرة، وحزنٍ يوشك على الانفجار. المعالجة حساسة ومؤثرة وأحيانًا فكاهية لموضوع صعب. كما أن رسالة الكتاب فيها الكثير من الأمل إذ تذكّر القارئ بالعلاقة الوطيدة بين الموت والحياة.
يستوقف القارئ مزيجٌ بين ما هو آني ومحلي، في العلاقة مع العمّات مثلًا، وما هو أزلي وعالمي في استرجاع أسلوب القصة الخرافية. وينعكس ذلك بالأسلوب اللغوي، بالمزيج بين العامية (اللبنانيّة) والفصحى، مزيجٌ يشوبه أحيانًا عدم انتظام في نَسخ العامية، يعود إلى غياب معايير واضحة معتمدة.
كما اعتدنا مع دار قنبز، الإخراج الممتاز يجعل من الكتاب قطعة فنية من حيث اختيار الورق والتصميم الداخلي. يرافق الكتاب قرص مدمج تحكي فيه ندين توما بأسلوبها الأخّاذ حكاية “حكايي وآذار” على نغم موسيقى سيفين عريس.
س.أ.غ.